أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 633
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
سنَّه معاذ سنةً إلا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فاتبعوه»، كما صار الأذان سنةً بقوله - صلى الله عليه وسلم - وإقراره وشرعه (1)، لا بمجرد المنام.
فإن قيل: فما معنى الحديث؟ قيل: معناه أن معاذًا فعل فعلًا جعله الله لكم سنة، وإنما صار سنة لنا حين أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا لأن معاذًا فعلَه فقط، وقد صحَّ عن معاذ أنه قال: كيف تصنعون بثلاث: دنيا تقطع أعناقكم، وزلَّة عالم، وجدال منافقٍ بالقرآن؟ فأما العالم فإن اهتدى فلا تقلِّدوه دينكم، وإن افْتُتِن فلا تقطعوا منه إياسَكم فإن المؤمن يُفتَتَن ثم يتوب، وأما القرآن فإنّ له منارًا كمنار الطريق لا يخفى على أحدٍ، فما علمتم منه فلا تسألوا عنه أحدًا، وما لم تعلموه فكِلُوه إلى عالمه، وأما الدنيا فمن جعل الله غناه في قلبه فقد أفلح، ومن لا فليستْ بنافعتِه دنياه (2). فصدعَ - رضي الله عنه - بالحق، ونهى عن التقليد في كل شيء، وأمر باتباع ظاهر القرآن، وأن لا يُبالَى بمن خالف [30/ب] فيه، وأمر بالتوقُّف فيما أشكل، وهذا كلُّه خلاف طريقة المقلّدين، وبالله التوفيق.
الوجه الأربعون: قولكم: «إن الله سبحانه أمر بطاعة أولي الأمر وهم العلماء، وطاعتُهم تقليدهم فيما يفتون به»؛ فجوابه أن أولي الأمر قد قيل: هم الأمراء، وقيل: هم العلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد. والتحقيق: أن