أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وأما إذا حلف يمينًا مجرَّدةً لَيفعلنَّ كذا، فهذا حضٌّ منه لنفسه، وحثٌّ على فعله باليمين، وليس إيجابًا عليها. فإن اليمين لا توجب شيئًا ولا تحرِّمه، ولكن الحالف عقَد اليمين بالله لَيفعلنَّه، فأباح الله سبحانه له حلَّ ما عقَده بالكفارة، ولهذا سمَّاها (1) «تحِلَّة»، فإنها تَحُلُّ عقدَ اليمين، وليست رافعةً لإثم الحنث، كما يتوهَّمه بعض الفقهاء، فإن الحنث قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًّا، فيؤمر به أمر إيجاب أو استحباب. وإن كان مباحًا، فالشارع لا يبيح (2) سببَ الإثم، وإنما شرعها الله حلًّا لعقد اليمين، كما شرع (3) الاستثناء مانعًا من عقدها.
فظهر الفرق بين ما التزم لله، وبين ما التزم بالله. فالأول ليس فيه إلا الوفاء، والثاني يخيَّر فيه بين الوفاء وبين الكفارة حيث يسوغ ذلك.
وسرُّ هذا أن ما التزم له آكد مما التزم به؛ فإن الأول متعلِّق بإلهيته، والثاني بربوبيته. فالأول من أحكام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، والثاني من أحكام {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} قسيم (4) الله من هاتين الكلمتين، و {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قسيم العبد، كما في الحديث الصحيح الإلهي: «هذه بيني وبين عبدي نصفين» (5). وبهذا يخرج الجواب عن إيراد هذا السؤال على