أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 520
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والثالث كذلك، وهلم جرًّا، والنَّجِس لا يزيل نجاسةً. وهذا غلط، فإنه يقال: لمَ (1) قلتم: إن القياس يقتضي أن الماء إذا لاقى نجاسةً نجُسَ؟ فإن قلتم: الحكم في بعض الصور كذلك، قيل: هذا ممنوع عند من يقول: الماءُ (2) لا ينجُس إلا بالتغير.
فإن قيل: فيقاس ما لم يتغيَّر على ما تغيَّر.
قيل: هذا من أبطل القياس حسًّا وشرعًا. وليس جعلُ الإزالة مخالفةً للقياس بأولى من جعل تنجيس الماء مخالفًا للقياس. بل يقال: إن القياس يقتضي أن الماء إذا لاقى نجاسةً لا ينجُس، كما أنه إذا لاقاها حالَ الإزالة لا ينجُس. فهذا القياس أصح من ذلك القياس، لأن النجاسة تزول بالماء حسًّا وشرعًا، وذلك معلوم بالضرورة من الدين بالنص والإجماع (3). وأما تنجيس الماء بالملاقاة فموردُ نزاع، فكيف يُجعل موردُ النزاع حجةً على مواقع الإجماع؟ والقياس يقتضي ردَّ موارد النزاع إلى مواقع الإجماع.
وأيضًا فالذي تقتضيه العقول أن الماء إذا لم تغيِّره النجاسة لا ينجُس، فإنه باقٍ على أصل خلقته. وهو طيِّب، فيدخل في قوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]. وهذا هو القياس في المائعات جميعها إذا وقع فيها نجاسة، فاستحالت بحيث لم يظهر لها لون ولا طعم ولا ريح.