
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وأنت خبير بأن احترام النص هوالذي يحمل المحققَ ــ إذا خالجه شكٌّ في شيء منه ــ على التثبت والتأني والمبالغة في التفتيش والتقصّي. على أننا إن فرضنا أن تحقيق النص يعني محاكمته كما زعم، فإن المحاكمة أيضا تحتاج إلى آلات أخرى كثيرة غير كرسي الحكم! وهذا التصرف من محقق الكتاب جعلنا نشك في الموضع الآخر الذي نقل فيه ابن العماد من الكتاب باسم «أعلام الموقعين»، ولاسيما لأن الموضعين متقاربان، وكلاهما منقول من المجلد الأول، الذي أكمل مطالعته مطالعةَ تفهُّم سنة 1076، قبل الفراغ من تأليف «شذرات الذهب» سنة 1080؛ وإن لم يكن ذلك يهمّنا من جهة التسمية نفسها، إذ كان ابن القيم هوالذي سمَّى كتابه بالاسمين، وكلاهما يؤدي المعنى نفسه كما سبق.
أما الذين أفادوا من هذا الكتاب مثل برهان الدين ابن مفلح (ت 884)، وعلاء الدين المرداوي (ت 885)، وشهاب الدين الشويكي (ت 939)، وشرف الدين الحجاوي (ت 968)، والبهوتي (ت 1051) وشمس الدين السفاريني (ت 1188) وغيرهم ــ وسيأتي تفصيل نقولهم ــ فجُلُّهم أحالوا عليه بعنوان «أعلام الموقعين».
تبيَّن من هذا العرض أن العنوان الأخير وهو «أعلام الموقعين عن ربِّ العالمين» صار أشهر من العنوان الأول، وزاد في شيوعه وانتشاره أنه طبع الكتاب بهذا الاسم. ولكن حدث إشكال في ضبط كلمة الأعلام. يقول الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - في كتابه «ابن قيم الجوزية» (ص 211): «وهذا (يعني «إعلام الموقعين» بكسر الهمزة) هو الضبط المشتهر على ألسنة علماء قطرنا، أعني في الديار النجدية. ولم أر من ضبطه بالحرف من قدماء النقلة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،