
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
القياس (2/ 233 - 339)، وصرّح بأنه سأل شيخه عما يقع من ذلك في كلام كثير من الفقهاء. ثم قال: «وأنا أذكر ما حصّلته من جوابه بخطّه ولفظه، وما فتح الله سبحانه لي بيمن إرشاده، وبركة تعليمه، وحسن بيانه وتفهيمه». وقد ورد سؤال المصنف وجوابه في «مجموع الفتاوى» (20/ 504 - 583) ولكن لم يذكر فيه اسم السائل.
- وبعد ما فرغ من نقل جواب شيخه في (2/ 324) ذكر مسائل أخرى من قضايا الصحابة أشكلت على الفقهاء وقرروا أنها بعيدة من القياس نحو قضاء علي في مسألة الزبية، وقضاء عمر بعقل البصير على الأعمى إذ وقعا في بئر، فخرّ البصير الذي كان يقوده، ووقع الأعمى فوقه، فقتله. ومن مصادره في المسألتين: «المغني» لابن قدامة، وقد ذكره (2/ 325 - 334). ومنها: قضاء علي في جماعة وقعوا على امرأة في طهر واحد، ثم تنازعوا في الولد؛ وقد انجرّ الكلام عليها إلى مسائل أخرى أيضا. ومن مصادر هذه المسألة: «معالم السنن للخطابي» (2/ 329) و «المغني» لابن قدامة (2/ 334). وقد ذكر فيها اختيار شيخ الإسلام ثلاث مرات (2/ 334، 337، 338).
- ثم عقد فصلًا (2/ 339 - 506) للرد على اعتراض مشهور لنفاة الحِكم والتعليل والقياس، وهو أن الشريعة في مسائل كثيرة قد جمعت بين المختلفين أو فرقت بين المتماثلين وسرد طائفة منها. ثم أجاب عنها أولا جوابا مجملا، ونقل أجوبة الأصوليين: ابن الخطيب، وأبي الحسن الآمدي، وأبي بكر الجصاص، والقاضي أبي يعلى، والقاضي عبد الوهاب المالكي (2/ 346 - 350). لم أقف على كتاب القاضي عبد الوهاب الذي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،