
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
كتبها ناسخان: أحدهما ــ ولا نعرف اسمه ــ كتب 85 ورقة، والأسطر فيها تتراوح بين 22 و 27 سطرا في كل صفحة. أما في سائر النسخة فالغالب فيها 23 سطرا في كل صفحة. وناسخ هذا القسم محمد بن قرشي، وقد ذكر اسمه في آخر الكتاب في أبيات له من الرجز المزدوج، وضمّنها اسم من أمره بكتابة النسخة وتاريخ النسخ أيضا. ونصُّها: «لكاتبه الحمد للإله ذي الآلاء ... في حالة السرّاء والضرّاء والشكر للمولى كما قد أنعما ... من فضله مصلّيًا مسلِّما على النبي الهاشمي الهادي ... وآله وصحبه الأنجاد وبعد ذا قد تمَّ هذا السفر ... في رجب الأصبّ نِعْمَ الشهر في عشره الأخيرة البواقي ... من فضل مولانا الكريم الباقي في عام أربعٍ أُتِمَّ خطّا ... من قبلها عشرٌ فخذه ضبطا ومائتين قبلها ألفٌ عددْ ... من هجرة المبعوث بالقول الرَّشَد كتبتُه فخطُّه جليُّ ... بأمر من حاز (عُلًا عليُّ) نجل الإمام العالم النحرير ... ذي الفهم والإدراك والتقرير مجدّد الدين ومحيي السنّه ... ومن به كانت علينا المنّه شيخ الشيوخ مُنية الطلاب ... محمد بن عابد الوهاب أسكنه الله فسيح عدْن ... فإنه ذو نعمة ومنّ فكم هدى الله به من أمهْ ... فسَعْدَ من فاز به وائتمَّه على يد الفقير والمحتاج ... محمد بن قرشي الراجي غفران مولاه لما قد سلفا ... من ذنبه الماضي وما قد خلفا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،