
أعلام الموقعين عن رب العالمين - المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (28)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 508
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
سيعقد ثلاثة فصول هي من أهمّ فصول الكتاب، وبها يتبين للعالم المنصف مقدار الشريعة وجلالتها وهيمنتها وسعتها وفضلها وشرفها على جميع الشرائع: الأول في بيان شمول النصوص للأحكام والاكتفاء بها عن الرأي والقياس. والثاني في سقوط الرأي والاجتهاد والقياس وبطلانها مع وجود النص. والثالث في بيان أن أحكام الشرع كلها على وفق القياس الصحيح. ولكن الغريب أنه عقد فصلين فقط: الفصل الأول، والفصل الثالث ــ وجعله الثاني ــ هكذا: - الفصل الأول في شمول النصوص للأحكام وإغنائها عن القياس (2/ 179 - 233).
- الفصل الثاني في بيان أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس (2/ 233 - 506).
فأغفل ــ كما ترى ــ الفصل الذي موضوعه سقوط الرأي والاجتهاد والقياس مع وجود النص. وهو خلل ظاهر لا أدري كيف ذهب عليه! ولكن سيأتي هذا البحث مطولا بعد باب التقليد، فهل نقله من هنا فيما بعد، ونسي إصلاح السياق هنا؟ وناقش في الفصل الأول ستّ مسائل «اختلف فيها السلف ومن بعدهم، وقد بينتها النصوص» وكلُّها في الفرائض كالمشرَّكة والعمريتين وغيرهما.
أما الفصل الثاني، فناقش فيه مسائل كثيرة مما أشكل على الفقهاء وظنوها بعيدة من القياس، منها: الوضوء من لحم الإبل، والفطر بالحجامة، والحوالة، والسلم، والإجارة، وحمل العاقلة الدية عن الجاني، وحديث
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ وأعِنْ (1) الحمد لله الذي خلق خَلْقَه أطوارًا، وصرَّفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزّةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى المكلّفين إعذارًا منه وإنذارًا، فأتمَّ بهم على من اتبع سبيلهم نعمته (2) السابغة، وأقام بهم على من خالف منهاجهم (3) حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأزاح العلل، وقطع المعاذير، وأقام الحجّة، وأوضح المحجّة، وقال: {هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وهؤلاء رسلي {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، فعمَّهم بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، وخصَّ بالهداية من شاء منهم نعمةً منه (4) وفضلًا.
فقبِل نعمةَ الهداية من سبقت له سابقة السعادة وتلقَّاها باليمين، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وردَّها من غلبت عليه الشقاوة ولم يرفع بها رأسًا بين العالمين. فهذا فضله وعطاؤه،