[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (29)]
جـ 1: تحقيق (علي بن محمد العمران)، راجعه (جديع بن جديع الجديع - عبد الرحمن بن صالح السديس)
جـ 2، 3: تحقيق (نبيل بن نصار السندي)، راجعه (محمد أجمل الإصلاحي - عمر بن سَعدِي)
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 640[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
المحدِّث ببعض دون بعض، فحديث ابن أبي ذئب عن عائشة: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم عاشوراء، ويأمرنا بصيامه» لو انفرد كان ظاهره أن عاشوراء كان فرضًا. فذكر هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صامه في الجاهلية، وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان كان الفريضةَ، وترك عاشوراء.
قال الشافعي: لا يحتمل قول عائشة «ترك عاشوراء» معنًى يصحّ إلا تَرْكَ إيجاب صومه، إذ علمنا أن كتاب الله بيَّن لهم أن شهر رمضان المفروضُ صومه، وأبان لهم ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أو تَرْكَ استحباب صومه (1)، وهو أولى الأمور عندنا، لأن حديث ابن عمر ومعاوية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لم يكتب صوم يوم عاشوراء على الناس».
ولعل عائشة ــ إن كانت ذهبت إليه: أنه كان واجبًا ثم نسخ ــ قالته لأنه يحتمل أن تكون رأت النبي - صلى الله عليه وسلم - لمّا صامه وأمر بصومه كان صومه فرضًا، ثم نسَخَه تَرْكُ أمرِه من شاء أن يدع صومه.
ولا أحسبها ذهبت إلى هذا، ولا ذهبت إلا إلى المذهب الأول، لأن الأول هو الموافق للقرآن: أن الله فرض الصوم فأبان أنه شهر رمضان، ودل حديث ابن عمر ومعاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[على] مثل معنى القرآن، بأن لا فرض في الصوم إلا رمضان، وكذلك قول ابن عباس: «ما علمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام يوما يتحرَّى فضله على الأيام إلا هذا اليوم، يعني يوم عاشوراء»، كأنه يذهب بتحرِّي فضله: في التطوع بصومه. آخر كلامه.