
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
لهما، فكانت القدرة والإرادة من إحداثه سبحانه، واختيارها أحد المقدورين المرادين من قبلها، فهي التي رجّحته.
قالوا: والقادر المختار يرجّح أحد مقدوريه على الآخر بغير مرجِّح، كالعطشان إذا قُدِّم له قدحان متساويان من كل وجه، والهارب إذا عَنَّ له طريقان كذلك؛ فإنه يرجح أحدهما بلا مرجِّح.
فالله سبحانه أحدث فيه إرادة الفعل، ولكن الإرادة لا توجب المراد، فأحدثها فيه امتحانًا له وابتلاء، وأقدره على خلافها، وأمره بمخالفتها، ولا ريب أنه قادر على مخالفتها، فلا يلزم من كونها مخلوقة لله حاصلة بإحداثه؛ وجوب الفعل عندها.
وقال أبو الحسين البصري: إنّ فعل العبد يتوقف على الداعي والقدرة، وهما من الله خَلْقًا فيه، وعندهما يجب وجود الفعل باختيار العبد وداعيه، فيكون هو المُحْدِث له بما فيه من الداعي والقدرة.
فهذه طرق أصحابنا في الجواب عما ذكرتم.
قال السني (1): لم تتخلّصوا بذلك من الإلزام، ولم تبيّنوا به بطلان حجتهم المذكورة، فلا منعتم مقدماتها وبيّنتم فسادها، ولا عارضتموها بما هو أقوى منها، كما أنهم لم يتخلصوا من إلزامكم، ولم يبيّنوا بطلان دليلكم، وكان غاية ما عندكم وعندهم المعارضة، وبيان كل منكم تناقض الآخر، وهذا لا يفيد نصرة الحق وإبطال الباطل، بل يفيد بيان خطئكم وخطئهم، وعدولكم وإيّاهم عن منهج الصواب.