
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ورجحت طائفة والزجاج (1) القول الأول، واحتجوا بقوله: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا}، قالوا: وأيضًا فإنه لم يتقدم ذكر الإنسان ولا خطابه، وإنما تقدم ذكر طائفة قالوا ما حكاه الله عنهم، فلو كانوا هم المرادين لقال: (ما أصابهم، أو ما أصابكم) على طريق الالتفات.
قالوا: وهذا من باب التنبيه؛ لأنه إذا كان سيد ولد آدم وهذا حكمه فكيف بغيره؟
ورجحت طائفة القول الآخر، واحتجت بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معصوم لا يصدر عنه ما يوجب أن تصيبه سيئة.
قالوا: والخطاب وإن كان له في الصورة فالمراد به الأمة، كقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1].
قالوا: ولما كان أول الآية خطابًا له أجرى الخطاب جميعه على وجه واحد، فأفرده في الثاني والمراد الجمع، والمعنى: وما أصابكم من سيئة فمن أنفسكم، فالأول له والثاني لأمته، ولهذا لما أفرد إصابة السيئة قال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، وقال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، وقال: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ رَحُبَت ثُّمَّ رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: 25 - 26]، فأخبر أن الهزيمة بذنوبهم