
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقصدًا، أو الإشراك به أكمل، والثاني معلوم الفساد بالضرورة، فتعيّن الأول، وهو أن يكون في الفطرة مقتضٍ يقتضي توحيده وتأليهه (1) وتعظيمه.
الوجه الثالث: أن الحنيفية التي هي دين الله ولا دين له غيرها، إما أن تكون مع غيرها من الأديان متماثلين، أو الحنيفية أرجح، أو تكون مرجوحة، والأول والثالث باطلان قطعًا، فوجب أن يكون في الفطرة مرجّح يرجّح الحنيفية، وامتنع أن تكون نسبتها ونسبة غيرها من الأديان إلى الفطرة سواء.
الوجه الرابع: أنه إذا ثبت أن في الفطرة قوة تقتضي طلب معرفة الحق وإيثاره على ما سواه، وأن ذلك حاصل مركوز فيها من غير تعليم (2) الأبوين ولا غيرهما، بل لو فُرِض أنّ الإنسان تربّى وحده، ثم عقل وميّز لوجد نفسه مائلة إلى ذلك، نافرة عن ضده، كما تجد الصبي عند أول تمييزه يعلم أن الحادث لا بدّ له من مُحْدِث، فهو يلتفت إذا ضُرِب من خلفه؛ لعلمه أن تلك الضربة لا بدّ لها من ضارب، فإذا شعر به بكى حتى يُقتصّ له منه فيسكن= فقد رُكِز في فطرته الإقرار بالصانع وهو التوحيد، ومحبة القصاص وهو العدل.
وإذا ثبت ذلك ثبت أن نفس الفطرة مقتضية لمعرفته سبحانه ومحبته وإجلاله وتعظيمه والخضوع له من غير تعليم ولا دعاء إلى ذلك، وإن لم تكن فطرة كل أحد مستقلة بتحصيل ذلك، بل يحتاج كثير منهم إلى سبب مُعِين للفطرة مقوٍّ لها، وقد بيّنا أن هذا السبب لا يحدث في الفطرة ما لم يكن فيها، بل يعينها ويذكّرها ويقوّيها.