
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقال القدري: بل آخرها مُحْكَم، وأولها (1) متشابه.
قال السني: أخطأتما جميعًا، بل كلاهما محكم مُبِين، وإنما أُتيتما من قلة الفهم في القرآن وتدبره، فليس بين اللفظين تناقض لا في المعنى ولا في العبارة؛ فإنه سبحانه ذكر عن هؤلاء الناكلين عن الجهاد أنهم إنْ {تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} يقولوا لرسوله: {هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}، أي: بسبب ما أمرتنا به من دينك، وترْكنا ما كنّا عليه؛ أصابتنا هذه السيئات؛ لأنك أمرتنا بما أوجبها، فالسيئات ههنا هي المصائب، والأعمال التي ظنّوا أنها سبب المصائب هي التي أُمِروا بها، وقولهم في السيئة التي تصيبهم: {هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} يتناول مصائب الجهاد التي حصلت لهم من الهزيمة والجِرَاح، وقتْل من قُتِل منهم، ويتناول مصائب الرزق على وجه التطيّر والتشاؤم، أي أصابنا هذا بسبب دينك.
كما قال تعالى عن قوم فرعون: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [الأعراف: 131]، أي إذا جاءهم ما يُسرّون به ويتنعمّون به من النعم قالوا: نحن أهل ذلك ومستحقوه، وإن أصابهم ما يسوؤهم قالوا: هذا بسبب ما جاء به موسى.
وقال أهل القرية للمرسَلين: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس: 18]، وقال قوم صالح له: {اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} (2) [النمل: 47]، وكانوا يقولون لِمَا ينالهم بسبب الحرب: هذا منك؛ لأنك أمرتنا بالأعمال الموجِبة له. وللمصائب