
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} إخبارًا منه سبحانه عما يفعله بهؤلاء الذين قُتِلوا في سبيله قبل أن قُتِلوا، وأتى به بصيغة المستقبل إعلامًا منه بأنه يجدّد له كل وقت من أنواع الهداية وإصلاح البال شيئًا بعد شيء. فإن قلت: فكيف يكون ذلك المستقبل خبرًا عن الذين قُتِلوا؟ قلت: الخبر قوله: {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}، أي أنه لا يبطلها عليهم، ولا يَتِرَهم إيّاها، هذا بعد أن قُتِلوا، ثم أخبر سبحانه خبرًا مستأنفًا عنهم: أنه سيهديهم ويصلح بالهم، لمّا علم أنهم يُقتلون في سبيله، وأنهم بذلوا أنفسهم له، فلهم جزاءان: جزاء في الدنيا بالهداية على الجهاد، وجزاء في الآخرة بدخول الجنة، فيرد السامع كل جملة إلى وقتها؛ لظهور المعنى، وعدم التباسه، وهو كثير في القرآن، والله أعلم. وقال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا اَلْمُخْلِصِينَ} [يوسف: 24]، فجازاه على إخلاصه بصرف السوء والفحشاء عنه، وقال: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 22]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: 70 - 71]، وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]، وقال تعالى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154]، فضمَّن التمام معنى الإنعام، فعدّاه بعلى، أي: إنعامًا منا على الذي أحسن، فهذا جزاء على الطاعات بالطاعات. وأما الجزاء على المعاصي بالمعاصي فكقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]، وقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ