
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وكذلك سنّته في شرعه وأمره، فهو يقدم الخير الراجح وإن كان في ضمنه شرٌّ مرجوح، ويعطل الشر الراجح وإن فات بتعطيله خير مرجوح، هذه سنّته فيما يحدثه ويبدعه في سماواته وأرضه، وما يأمر به وينهى عنه، وكذلك سنّته في الآخرة.
وهو سبحانه وتعالى قد أحسن كل شيء خلقه، وقد أتقن كل ما صنع، وهذا أمر يعلمه العالمون بالله جملة، ويتفاوتون في العلم بتفاصيله.
وإذا عُرِف ذلك فالآلام والمشاق إما إحسان ورحمة، وإما عدل وحكمة، وإما إصلاح وتهيئة لخير يحصل بعدها، وإما لدفع ألم هو أصعب منها، وإما لتولّدها عن لذّات ونِعَم، يولّدها عنها أمر لازم لتلك اللذات، وإما أن يكون من لوازم العدل، أو لوازم الفضل والإحسان، فيكون من لوازم الخير التي إن عُطِّلتْ عُطِّلتْ ملزوماتها، وفات بتعطيلها خير أعظم من مفسدة تلك الآلام، والشرع والقدر أعدل شاهدين بذلك.
فكم في طلوع الشمس من ألم لمسافر وحاضر، وكم في نزول الغيث والثلوج من أذى، كما سمَّاه الله تعالى بقوله: {كَانَ (1) بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ} [النساء: 102]، وكم في هذا الحرِّ والبرد والرياح من أذى موجِب لأنواع من الآلام لصنوف الحيوانات.
وأعظم لذّات الدنيا لذّة الأكل والشرب والنكاح واللباس والرياسة، ومعظم آلام أهل الأرض أو كلها ناشئة عنها ومتولّدة منها، بل الكمالات