[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
يعيش إلا معهم، وله ولهم إرادات ومطالب متضادة ومتعارضة لا يمكن الجمع بينها، بل إذا حصل منها شيء فات منها أشياء. فهو يريد منهم أن يوافقوه على مطالبه وإراداته، وهم يريدون منه ذلك، فإن وافقهم حصل له من الألم والمشقة بحسب ما فاته من إراداته، وإن لم يوافقهم آذوه وعذّبوه، وسعوا في تعطيل مراداته، كما لم يوافقهم على إراداتهم، فيحصل له من الألم والتعذيب بحسب ذلك. فهو في ألم ومشقة وعناء وافقهم أو خالفهم، ولاسيما إذا كانت موافقتهم على أمور يعلم أنها عقائد باطلة، وإرادات فاسدة، وأعمال مضرة في عواقبها، ففي موافقتهم أعظم الألم، وفي مخالفتهم حصول الألم. فالعقل والدين والمروءة والعلم تأمره باحتمال أخفّ الألمين تخلّصًا من أشدهما، وبإيثار المنقطِع منهما لينجو من الدائم المستمر. فمن كان ظهيرًا للمجرمين من الظلمة على ظلمهم، ومن أهل الأهواء والبدع على أهوائهم وبدعهم، ومن أهل الفجور والشهوات على فجورهم وشهواتهم؛ ليتخلص بمظاهرتهم من ألم أذاهم= أصابه من ألم الموافقة لهم عاجلًا وآجلًا أضعاف أضعاف ما فرّ منه، وسنّة الله في خلقه أن يعذبه بأيدي مَن أعانهم وظاهرهم. وإن صبر على ألم مخالفتهم ومجانبتهم أعقبه ذلك لذةً عاجلة وآجلة تزيد على لذة الموافقة بأضعاف مضاعفة، وسنّة الله في خلقه أن يرفعه عليهم ويذلهم له، بحسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه. وإذا كان لابدّ من الألم والعذاب فذلك في الله وفي مرضاته ومتابعة رسله أولى وأنفع منه في الناس ومرضاتهم وتحصيل مراداتهم.