[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
القدرة والداعية للفعل، ومقارنة طوله ولونه وشمّه وغير ذلك من صفاته للفعل، ونسبة ذلك كله عند الجبري إلى الفعل نسبة واحدة، والله سبحانه أجرى العادة بخلق الفعل عند القدرة والداعي لا بهما، وإنما اقترن الداعي والقدرة بالفعل اقترانًا مجرّدًا. ومعلوم أن هذا قدح في الضروريات.
ولا ريب أن من نظر إلى تصرفات العقلاء ومعاملاتهم مع بعضهم بعضًا؛ وجدهم يطلبون الفعل من غيرهم طلب عالم بالاضطرار أن المطلوب منه الفعل هو المحصِّل له، الواقع بقدرته وإرادته، ولذلك يتلطفون لوقوع الفعل منه بكل لطيفة، ويحتالون عليه بكل حيلة، فيعطونه تارة، ويزجرونه تارة، ويوبّخونه تارة، ويتوصلون إلى إخراج الفعل منه بأنواع الرغبة والرهبة، ويقولون: قد فعل فلان كذا (1)، فما لك لا تفعل كما فعل؟ وهذا أمر مشاهد بالحسِّ والضرورة.
فالعقلاء ساكنو الأنفس إلى أن الفعل من العبد يقع، وبه يحصل، ولو حرك أحدُهم أصبعه، فشتمْتَ المحرِّك لها، لغضب وشتمك، وقال: كيف تشتمني؟ ولم يقل: لِمَ تشتم ربّي؟
وهذا أوضح من أن يُضرب له الأمثال، أو يُبسط فيه المقال، وما يعرض في ذلك من الشُّبه جارٍ مجرى السَّفْسَطة.
وقد فطر الله سبحانه العقلاء على ذمِّ فاعل الإساءة، ومَدْح فاعل الإحسان، وهذا يدل على أنهم مفطورون على العلم بأنه فاعل؛ لأن الذم فرع عليه، ويستحيل أن يكون الفرع معلومًا باضطرار، والأصل ليس كذلك.