[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
كما أنه سبحانه إذا جعل رزق بعض خلقه في التجارات مثلًا، فاقتضى ذلك أن يجلبوا البضائع إلى مَن يحتاج إليها، فينتفع هؤلاء بالبضائع وهؤلاء بالثمن= كان في ذلك مصلحة هؤلاء وهؤلاء. وإذا تأملت الوجود رأيته قائمًا بذلك شاهدًا به على منكري الحكمة، فكم لله سبحانه في إحداث تلك الوسائط من حِكَم ومصالح ومنافع للعباد، لو بطلت تلك الوسائط لفاتت تلك الحِكَم والمصالح. الجواب الخامس: قولك: «يلزم العبث وهو على الله محال»، فيقال: إن كان العبث عليه محالًا لزم أن لا يفعل ولا يأمر إلا لمصلحة وحكمة، فبطل قولك بقولك، وإن لم يكن العبث عليه محالًا بطلت هذه الحجة، فيتحقق بطلانها على التقديرين. الجواب السادس: أن يقال: ما المانع أن يفعل سبحانه أشياء معلَّلة، وأشياء غير معلَّلة، بل مرادة لذاتها؟ وإذا جاز هذا جاز أن يقال: إن هذه الوسائط غير معلَّلة، ولا يمكنك نفي هذا القسم إلا بأن تقول: إن شيئًا من أفعاله غير معلَّل البتّة، وأنت إنما نفيت هذا بلزوم العبث في توسّط تلك الأمور، ولا يلزم من انتفاء التعليل في بعض الأفعال انتفاؤه في الجميع؛ فإنه لا يجب أن يكون كل شيء لعلة، فأنت نفيت جواز التعليل. وغاية هذه الحجة ــ لو صحّت ــ أن تدل على أنه لا يجب في كل شيء أن يكون لعلة، فلمْ يلتقِ الحكم والدليل، وهذا كما يقول الفقهاء ــ مع قولهم بالتعليل ــ: إن من الأحكام ما هو تعبُّد غير معلَّل، فهلّا قلت في الخلق كقولهم في الأمر، وهذا إنما هو بطريق الإلزام، وإلا فالحق أن جميع أفعاله