
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
لا لسبب (1) ولا لغاية؟!
فصل
النوع الحادي والعشرون: إخباره سبحانه عن تركه بعض مقدوره أن يفعله لما يستلزمه من المفسدة، وأن المصلحة في تركه، ولو كان الأمر راجعًا إلى محض المشيئة لم يكن ذلك علّة للحكم، كقوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ} [الأنفال: 22 - 23]، فعلّل سبحانه عدم إسماعهم السماع الذي ينتفعون به ـ وهو سماع الفهم ـ بأنهم لا خير فيهم يحسن معه أن يسمعهم، وبأن فيهم مانعًا آخر يمنع من الانتفاع بالمسموع لو سمعوه وهو الكبر والإعراض، فالأول من باب تعليل عدم الحُكْم بعدم مقتضيه، والثاني من باب تعليله بوجود مانعه، وهذا إنما يصح ممن يأمر وينهى ويفعل للحِكَم والمصالح، وأما من تجرّد فعله عن ذلك فإنه لا يضاف عدم الحكم إلا إلى مجرّد مشيئته فقط.
ومن هذا تنزيهه نفسه سبحانه عن كثير مما يقدر عليه فلا يفعله؛ لمنافاته لحكمته وحمده، كقوله: {كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ} [آل عمران: 179]، وقوله: {(32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ} [الأنفال: 33]، وقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115]، وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ