
[آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (32)]
تحقيق: زاهر بن سالم بَلفقيه
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير - أحمد حاج عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 468
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكوَّن» (1)، فصرَّح إمام السنة أن صفة التخليق هي (2) فعل الربّ وأمره، وأنه خالق بفعله وكلامه.
وجميع يَزَك الرسول وحزبه مع محمد بن إسماعيل في هذا.
والقرآن مملوء من الدلالة عليه، كما دلّ عليه العقل والفطرة، قال تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81]، ثم أجاب نفسه بقوله: {بَلَى وَهْوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}، فأخبر أنه قادر على نفس فعله، وهو أن يخلق، فنفس {أن يخلق} فعل له، وهو قادر عليه.
ومَن يقول: لا فعل له، وأن الفعل هو عين المفعول، يقول: لا يقدر على فعل يقوم به البتّة، بل لا يقدر إلا على المفعول المباين له، الحادث بغير فعل منه سبحانه. وهذا أبلغ في الإحالة من حدوثه بغير قدرة، بل هو في الإحالة كحدوثه بغير فاعل؛ فإن المفعول يدل على قدرة الفاعل باللزوم العقلي، ويدل على فعله الذي وُجِد به بالتضمّن، فإذا سُلِبتْ دلالته التضمّنية كان سَلْب دلالته اللزومية أسهل، ودلالة المفعول على فاعله وفعله دلالة واحدة، وهي أظهر بكثير من دلالته على قدرته وإرادته.
وذكر قدرة الرب تعالى على أفعاله وتكوينه في القرآن كثير، كقوله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65]، فـ {أن يبعث} هو نفس فعله، والعذاب هو مفعوله المباين له. وكذلك قوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40]، فإحياء الموتى نفس فعله، وحياتهم مفعوله