زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
حصاده لم تَسلَم المنفعة المعقود عليها، بل تلفتْ قبل التَّمكُّن من الانتفاع، ولا فرقَ بين تعطيل منفعة الأرض في أوَّل المدَّة أو في آخرها إذا لم يتمكَّن من استيفاء شيءٍ من المنفعة، ومعلومٌ أنَّ الآفة السَّماويَّة إذا كانت بعد الزَّرع مطلقًا بحيث لا يتمكَّن من الانتفاع بالأرض مع تلك الآفة، فلا فرق بين تقدُّمها وتأخُّرها، والله أعلم.
فصل وأمَّا بيع الصُّوف على الظَّهر، فلو صحَّ هذا الحديث بالنَّهي عنه لوجب القول به، ولم تَسَعْ مخالفته، وقد اختلفت الرِّواية فيه عن أحمد، فمرَّةً منعَه، ومرَّةً أجازه بشرط جَزِّه في الحال. ووجهُ هذا القول: أنَّه معلومٌ يمكن تسليمه، فجاز بيعه كالرطبة، وما يُقدَّر من اختلاط المبيع الموجود بالحادث على ملك البائع يزول بجزِّه في الحال، والحادث يسيرٌ جدًّا لا يمكن ضبطُه.
هذا، ولو قيل بعدم اشتراط جزِّه في الحال، ويكون كالرطبة الَّتي تؤخذ (1) شيئًا فشيئًا، وإن كانت تطول في زمن أخذها كان له وجهٌ صحيحٌ، وغايته بيع معدومٍ لم يُخلق تبعًا للموجود، فهو كأجزاء الثِّمار الَّتي لم تُخلق، فإنَّها تتبع الموجود منها، فإذا جعلا للصُّوف وقتًا معيَّنًا يؤخذ فيه كان بمنزلة أخذ الثَّمرة وقت كمالها.
يُوضِّح هذا أنَّ الذين منعوه قاسوه على أعضاء الحيوان، وقالوا: متَّصلٌ بحيوان، فلم يجز إفراده بالبيع كأعضائه. وهذا من أفسد القياس؛ لأنَّ الأعضاء لا يمكن تسليمها مع سلامة الحيوان.