زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فإذا لم يختَرْ بقي عندها على ما كان.
فإن قيل: فقد قدَّمتم التَّخيير على القرعة، والحديث فيه تقديم القرعة أوَّلًا ثمَّ التَّخيير، وهذا أولى؛ لأنَّ القرعة طريقٌ شرعيٌّ للتَّقديم عند تساوي المستحقِّين، وقد تساوى الأبوان، فالقياس تقديم أحدهما بالقرعة، فإن أَبَيَا القرعة لم يبقَ إلا اختيارُ الصَّبيِّ، فيُرجَّح به، فما بالُ أصحاب أحمد والشَّافعيِّ قدَّموا التَّخيير على القرعة؟ قيل: إنَّما قُدِّم التَّخيير لاتِّفاق ألفاظ الحديث عليه، وعملِ الخلفاء الرَّاشدين به، وأمَّا القرعة فبعض الرُّواة ذكرها في الحديث (1)، وبعضهم لم يذكرها، وإنَّما كانت في بعض طرق حديث أبي هريرة وحده، فقدِّم التَّخيير عليها، فإذا تعذَّر القضاء بالتَّخيير تعيَّنت القرعةُ طريقًا للتَّرجيح؛ إذ لم يبقَ سواها.
ثمَّ قال المخيِّرون للغلام والجارية: روى النَّسائيُّ في «سننه» والإمام أحمد في «مسنده» (2) من حديث رافع بن سِنان: أنَّه تنازع هو وأمٌّ (3) في ابنتها، وأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقعدَه ناحيةً، وأقعدَ المرأة ناحيةً، وأقعد الصَّبيَّة بينهما، وقال: ادْعُواها، فمالت إلى أمِّها، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهمَّ اهْدِها»، فمالت إلى أبيها فأخذَها.
قالوا: ولو لم يَرِد هذا الحديث لكان حديث أبي هريرة والآثار المتقدِّمة