زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بها دينه (1). والحديقة هي النَّخل. فهذه إجارة الشَّجر لأخْذِ ثمرها، وهو مذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -، ولا يُعلَم له في الصَّحابة مخالفٌ، واختيار أبي الوفاء بن عقيلٍ من أصحاب أحمد، واختيار شيخنا قدَّس الله روحَه. فقولكم: إنَّ مَوردَ عقد الإجارة لا يكون إلا منفعةً غيرُ مسلَّمٍ، ولا ثابتٍ بالدَّليل، وغاية ما معكم قياس محلِّ النِّزاع على إجارة الخبز للأكل، والماء للشُّرب، وهذا من أفسد القياس، فإنَّ الخبز تذهب عينُه ولا يستخلف مثله, بخلاف اللَّبن ونقع البئر، فإنَّه لمَّا كان يستخلف ويحدث شيئًا فشيئًا، كان بمنزلة المنافع.
يوضِّحه الوجه الثَّاني: وهو أنَّ الثّمرة تجري مجرى المنافع والفوائد في الوقف والعارية ونحوهما، فيجوز أن يقفَ الشَّجرةَ لينتفع أهل الوقف بثمرها، كما يقِفُ الأرضَ لينتفع أهل الوقف بغلَّتها، ويجوز إعراء (2) الشَّجرة كما يجوز إفقارُ (3) الظَّهر، وعاريَة الدَّار، ومنيحة اللَّبن، وهذا كلُّه تبرُّعٌ بنماء المال وفائدته، فإنَّ من دفعَ عقاره إلى من يسكنه فهو بمنزلة من دفع دابَّته إلى من يركبها، وبمنزلة من دفع شجره إلى من يستثمرها، وبمنزلة من دفع أرضَه إلى من يزرعها، وبمنزلة من دفع شاته إلى من يشرب لبنها. فهذه الفوائد تدخل في عقود التَّبرُّع، سواءٌ كان الأصل محبَّسًا بالوقف أو غيرَ