زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
باقيه بعد نزوعه (1) عنه. وكذلك من سبق إلى الجلوس في رَحْبةٍ أو طريقٍ واسعةٍ، فهو أحقُّ بها ما دام جالسًا، فإذا استغنى عنها وآجَر مقعدَه لم يجز. وكذلك الأرض المباحة إذا كان فيها كلأٌ أو عُشْبٌ، فسبق بدوابِّه إليه، فهو أحقُّ برِعْيتِه (2) ما دامت دوابُّه فيه، فإذا طلب الخروجَ منها وبيعَ ما فضَلَ عنه لم يكن له ذلك. وهكذا هذا الماء سواءٌ، فإنَّه إذا فارق أرضه لم يبقَ له فيه حقٌّ، وصار بمنزلة الكلأ الذي لا اختصاصَ له به، ولا هو في أرضه.
فإن قيل: الفرق بينهما أنَّ هذا الماء في نفس أرضه، فهو منفعةٌ من منافعها، فملكه بملكها كسائر منافعها، بخلاف ما ذكرتم من الصُّور، فإنَّ تلك الأعيان ليست من مِلْكه، وإنَّما له حقُّ الانتفاع والتَّقديم إذا سبق خاصَّةً.
قيل: هذه هي النُّكتة الَّتي لأجلها جوَّز من جوَّز بيعه، وجعل ذلك حقًّا من حقوق أرضه، فمَلَكَ المعاوضة عليه وحده كما يملك المعاوضة عليه مع الأرض، فيقال: حقُّ أرضه في الانتفاع لا في ملك العين الَّتي أودعها الله فيها بوصف الاشتراك، وجعل حقَّه في تقديم الانتفاع على غيره في التَّحجُّر والمعاوضة. فهذا القول هو الذي تقتضيه قواعد الشَّرع وحكمته واشتماله على مصالح العالم، وعلى هذا فإذا دخل غيره بغير إذنه، فأخذ منه شيئًا، مَلَكَه، لأنَّه مباحٌ في الأصل، فأشبهَ ما لو عشَّش في أرضه طائرٌ، أو حصل فيها ظبيٌ، أو نَضَبَ ماؤها عن سمكٍ، فدخل إليه فأخذه.
فإن قيل: فهل له منعه من دخول مِلكه، وهل يجوز دخوله في مِلكه بغير إذنه؟