زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والذِّكر والدُّعاء والتَّوبة والاستغفار والعتق، فإنَّ هذه الأسباب تُعارِض أسباب الشَّرِّ وتُقاوِمها، وتدفع موجبها إن قويت عليها.
وقد جعل الله سبحانه حركة الشَّمس والقمر واختلافَ مطالعهما سببًا للفصول الَّتي هي سبب الحرِّ والبرد والشِّتاء والصَّيف، وما يحدث فيهما ممَّا يليق بكلِّ فصلٍ منها. فمن له اعتناءٌ بحركاتهما واختلافِ مطالعهما، يستدلُّ بذلك على ما يحدث في النَّبات والحيوان وغيرهما، وهذا أمرٌ يعرفه كثيرٌ من أهل الفِلاحة والزِّراعة. ورُبَّانِيُّ (1) السُّفُن لهم استدلالاتٌ بأحوالهما وأحوال الكواكب على أسباب السَّلامة والعَطَب (2) من اختلاف الرِّياح وقوَّتها وعُصوفها، لا تكاد تَختلُّ. والأطبَّاء لهم استدلالاتٌ بأحوال القمر والشَّمس على اختلاف طبيعة الإنسان، وتَهيُّئها لقبول التَّغيُّر، واستعدادِها لأمورٍ غريبةٍ ونحو ذلك.
وواضعو الملاحم لهم عنايةٌ شديدةٌ بهذا، وأمورٌ متوارثةٌ عن قدماء المنجِّمين، ثمَّ يستنتجون (3) من هذا كلِّه قياساتٍ وأحكامًا تُشبِه ما تقدَّم نظيره. وسنَّة الله في خلقه جاريةٌ على سَنَنٍ اقتضتْه حكمتُه، فحكمُ النَّظير حكمُ نظيرِه، وحكمُ الشَّيء حكمُ مثلِه، وهؤلاء صرفوا قوى أذهانهم إلى أحكام القضاء والتقدير، واعتبار بعضه ببعضٍ، والاستدلال ببعضه على بعضٍ، كما صرف أئمَّة الشَّرع قوى أذهانهم إلى أحكام الأمر والشَّرع،