زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والأوَّلون يقولون: الأصل في هذه المنفعة أن تُقوَّم بالمهر، وإنَّما أسقطه الشَّارع في حقِّ البغيِّ، وهي الَّتي تزني باختيارها، وأمَّا المُكرَهة على الزِّنا فليست بغيًّا، فلا يجوز إسقاطُ بدلِ منفعتها الَّتي أُكرِهت على استيفائها، كما لو أكره الحرُّ على استيفاء منافعه، فإنَّه يلزمه عِوضُها، وعِوضُ هذه المنفعة شرعًا هو المهر.
فهذا مأخذ القولين.
ومن فرَّق بين البكر والثَّيِّب رأى أنَّ الواطئ لم يُذهِب على الثَّيِّب شيئًا، وحَسْبُه العقوبة الَّتي رُتَّبتْ على فعله، وهذه المعصية لا يقابلها شرعًا مالٌ يلزم من أقدر (1) عليها، بخلاف البكر فإنَّه أزال بكارتها، فلا بدَّ من ضمان ما أزالَه، فكانت هذه الجناية مضمونةً عليه في الجملة، فضَمِن ما أتلفه من جزء منفعةٍ، وكانت المنفعة تابعةً للجزء في الضَّمان، كما كانت تابعةً له في عدمه في البِكر المطاوعة.
ومن فرَّق بين ذوات المحارم وغيرهنَّ، رأى أنَّ تحريمهنَّ لمَّا كان تحريمًا مستقرًّا، وأنَّهنَّ غير محلِّ الوطء شرعًا، كان استيفاء هذه المنفعة منهنَّ بمنزلة التَّلوُّط، فلا يوجب مهرًا. وهذا قول الشَّعبيِّ، وهذا بخلاف تحريم المصاهرة، فإنَّه عارضٌ يمكن زواله.
قال صاحب «المغني» (2): وهكذا ينبغي أن يكون الحكم فيمن حرمت بالرَّضاع؛ لأنَّه طارٍ (3) أيضًا.