زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد السادس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 531
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فإذا لم يثبت الأصل فكيف يثبت فرعه؟ بخلاف الأبوَّة والأمومة فإنَّهما أصلان لا يلزم من انتفاء أحدهما انتفاء الآخر.
وعلى هذا مسألة: ما لو كان لرجلٍ أمٌّ وأختٌ وابنةٌ وزوجةُ ابنٍ، فأرضعن طفلةً كلُّ واحدةٍ منهنَّ رضعةً، لم تَصِرْ واحدةٌ منهنَّ أمَّها. وهل تَحرُم على الرَّجل؟ على وجهين، وجههما (1): ما تقدَّم. والتَّحريم هاهنا بعيدٌ؛ فإنَّ هذا اللَّبن الذي كمل للطِّفل لا يجعل الرَّجلَ أبًا له ولا جدًّا ولا أخًا ولا خالًا، والله أعلم.
فصل وقد دلَّ التَّحريم بلبن الفحل على تحريم المخلوقة من ماء الزَّاني دلالةَ الأولى والأحرى؛ لأنَّه إذا حرم عليه أن ينكح من قد تغذَّت بلبنٍ ثارَ بوطئه، فكيف يحلُّ له أن ينكح من قد خُلِق من نفس مائه بوطئه؟ وكيف يُحرِّم الشَّارع بنته من الرَّضاع لما فيها من لبنٍ كان وطءُ الرَّجل سببًا فيه، ثمَّ يُبيح له نكاحَ من خُلِقت بنفس وطئه ومائه؟ هذا من المستحيل؛ فإنَّ البعضيَّة الَّتي بينه وبين المخلوقة من مائه أكملُ وأتمُّ من البعضيَّة الَّتي بينه وبين مَن تغذَّتْ بلبنه، فإنَّ بنت الرَّضاع فيها جزءٌ ما من البعضيَّة، والمخلوقة من مائه كاسمها مخلوقةٌ من مائه، فنصفُها أو أكثرُها بعضه قطعًا، والشَّطر الآخر للأمِّ. وهذا قول جمهور المسلمين، ولا يُعرف في الصَّحابة من أباحها، ونصَّ الإمام أحمد على أنَّ من تزوَّجها قُتِل بالسَّيف، مُحصَنًا كان أو غيرَه.