
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: علي بن محمد العمران - محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 592
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فَسُرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقول القائف، ولو كانت كما يقول المنازعون من أمر الجاهليَّة كالكهانة ونحوها لما سُرَّ بها، ولا أُعجِبَ بها، ولكانت بمنزلة الكهانة، وقد صحَّ عنه وعيدُ من صدَّق كاهنًا.
قال الشَّافعيُّ (1): والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أثبته علمًا ولم يُنكِره، ولو كان خطأً لأنكره؛ لأنَّ في ذلك قَذْف المحصنات ونَفْي الأنساب، انتهى.
كيف والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد صرَّح في الحديث الصَّحيح بصحَّتها واعتبارها، فقال في ولد الملاعنة: «إن جاءت به كذا وكذا فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به كذا وكذا فهو لشَرِيك ابن سَحْماء»، فلمَّا جاءت به على شَبَهِ الذي رُمِيتْ به قال: «لولا الأيمانُ لكان لي ولها شأنٌ» (2). وهل هذا إلا اعتبارٌ (3) للشَّبه وهو عين القيافة، فإنَّ القائف يتبع أثرَ الشَّبه وينظر إلى من يتَّصل، فيحكم به لصاحب الشَّبه.
وقد اعتبر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشَّبه وبيَّن سببَه، ولهذا لمَّا قالت له أم سلمة: أَوَتَحتلمُ المرأة؟ فقال: «ممَّ يكون الشَّبه؟» (4). وأخبر في الحديث الصَّحيح (5) أنَّ ماء الرَّجل إذا سبقَ ماءَ المرأة كان الشَّبه له، وإذا سبقَ ماؤها ماءَه كان الشَّبه لها.