
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: علي بن محمد العمران - محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 592
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فاستدلَّ الشَّافعيُّ بأنَّ لسان العرب يقتضي حمْلَ المطلق على المقيَّد إذا كان من جنسه، فحَملَ عرْفَ الشَّرع على مقتضى لسانهم.
وهاهنا أمران: أحدهما: أنَّ حمل المطلق على المقيَّد بيانٌ لا قياسٌ.
الثَّاني: أنَّه إنَّما يُحمَل عليه بشرطين، أحدهما: اتِّحاد الحكم، والثَّاني: أن لا يكون للمطلق (1) إلا أصلٌ واحدٌ. فإن كان بين أصلين مختلفين لم يُحمَل إطلاقه على أحدهما إلا بدليلٍ بعينِه (2).
قال الشَّافعيُّ: ولو نذر رقبةً مطلقةً لم تُجزِئه إلا مؤمنةٌ. وهذا بناءً على هذا الأصل، وأنَّ النَّذر محمولٌ على واجب الشَّرع، وواجب العتق لا يتأدَّى إلا بعتق المسلم. وممَّا يدلُّ على هذا: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لمن استفتى في عتق رقبةٍ منذورةٍ: ائْتِني بها، فسألها أينَ اللَّه؟ فقالت: في السَّماء، فقال: «من أنا؟»، فقالت: أنت رسول اللَّه، فقال: «أَعتِقْها فإنَّها مؤمنةٌ» (3). قال الشَّافعيُّ (4): فلمَّا وَصَفَت الإيمانَ أمر بعتقها. انتهى.
وهذا ظاهرٌ جدًّا أنَّ العتق المأمور به شرعًا لا يُجزِئ إلا في رقبةٍ مؤمنةٍ، وإلَّا لم يكن للتَّعليل بالإيمان فائدةٌ، فإنَّ الأعمَّ متى كان علَّةً للحكم كان الأخصُّ عديمَ التَّأثير.