زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الخامس
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: علي بن محمد العمران - محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 592
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
هذا الضَّلال العظيم والخطأ المبين عندكم مدَّة خلافة الصِّدِّيق كلَّها، يُعمَل به ولا يُغيَّر إلى أن فارق الصِّدِّيق الدُّنيا، فاستمرَّ الخطأ والضَّلال المركَّب صدرًا من خلافة عمر، حتَّى رأى عمر بعد ذلك برأيه أن يُلزِم النَّاسَ بالصَّواب! فهل في الجهل بالصَّحابة وما كانوا عليه في عهد نبيِّهم وخلفائه أقبحُ من هذا؟ وتاللَّه لو كان جعْلُ الثَّلاث واحدةً خطأً محضًا لكان أسهلَ من هذا الخطأ الذي ارتكبتموه، والتَّأويلِ الذي تأوَّلتموه، ولو تركتم المسألة بهيئتها لكان أقوى لشأنها من هذه الأدلَّة والأجوبة.
قالوا: وليس التَّحاكم في هذه المسألة إلى مقلِّدٍ متعصِّبٍ، ولا هَيَّابٍ للجمهور، ولا مستوحشٍ من التَّفرُّد إذا كان الصَّواب في جانبه، وإنَّما التَّحاكم فيها إلى راسخٍ في العلم قد طال فيه (1) باعُه، ورَحُبَ بنَيْلِه ذراعُه، وفَرَّق بين الشُّبهة والدَّليل، وتلقَّى الأحكامَ من نفس مشكاة الرَّسول، وعرف المراتب، وقام فيها بالواجب، وباشرَ قلبُه أسرارَ الشَّريعة وحِكَمَها الباهرة، وما تضمَّنته من المصالح الباطنة والظَّاهرة، وخاضَ في مثل هذه المضايق لُجَجَها، واستوفى من الجانبين حُجَجَها، والله المستعان، وعليه التُّكلان.
قالوا: وأمَّا قولكم: إذا اختلفت علينا الأحاديث نظرنا فيما عليه الصَّحابة - رضي الله عنه - ، فنعم واللهِ وحيَّهلا بِيَزَكِ (2) الإسلام، وعِصابة الإيمان.