زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 616
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والحركة والانتصاب منعًا غير تامٍّ. وسببه خِلْطٌ غليظٌ لَزِجٌ يسُدُّ منافذَ بطون الدِّماغ سدَّةً غير تامَّةٍ، فيمنع نفوذَ الحسِّ والحركة فيه وفي الأعضاء نفوذًا مَّا (1) من غير انقطاعٍ بالكلِّيَّة. وقد يكون لأسبابٍ أُخَر كريحٍ غليظٍ يحتبس في منافذ الرُّوح، أو بخارٍ رديٍّ يرتفع إليه من بعض الأعضاء، أو كيفيَّةٍ لاذعةٍ، فينقبض الدِّماغ لدفع المؤذي، فيتبعه تشنُّجٌ في جميع الأعضاء، ولا يمكن أن يبقى الإنسان معه منتصبًا، بل يسقط، ويظهر في فيه الزَّبد غالبًا.
وهذه العلَّة تُعَدُّ من جملة الأمراض الحادَّة باعتبار وقت وجود المؤلم (2) خاصَّةً. وقد تعدُّ من جملة الأمراض المزمنة باعتبار طول مكثها وعسر برئها لا سيَّما إن جاوز في السِّنِّ خمسًا وعشرين سنةً، وهذه العلَّةُ (3) في دماغه وخاصَّةً في جوهره، فإنَّ صرع هؤلاء يكون لازمًا. قال أبقراط: إنَّ الصَّرع يبقى فيهم إلى أن يموتوا.
إذا عُرِف هذا، فهذه المرأة الَّتي جاء الحديث أنَّها كانت تُصْرَع وتنكشف يجوز أن يكون صرعها من هذا النَّوع، فوعدها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الجنَّة بصبرها على هذا المرض، ودعا لها أن لا تنكشف وخيَّرها بين الصَّبر والجنَّة وبين الدُّعاء لها بالشِّفاء من غير ضمانٍ، فاختارت الصَّبر والجنَّة.
وفي ذلك دليلٌ على جواز ترك المعالجة والتَّداوي، وأنَّ علاج الأرواح