
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 616
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقوله في الحديث الصَّحيح: «إن كان عندك ماءٌ بات في شنٍّ وإلَّا كرَعنا» فيه دليلٌ على جواز الكَرْع، وهو الشُّرب بالفم من الحوض والمِقْراة (1) ونحوها. وهذه ــ والله أعلم ــ واقعةُ عينٍ دعت الحاجةُ فيها إلى الكرع بالفم، أو قاله مبيِّنًا لجوازه؛ فإنَّ من النَّاس من يكرهه. والأطبَّاء تكاد تحرِّمه، ويقولون: إنَّه يضرُّ بالمعدة. وقد روي في حديثٍ لا أدري ما حاله عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نشرب على بطوننا، وهو الكرع، ونهانا أن نغترف باليد الواحدة. وقال: «لا يَلَغْ أحدكم كما يَلَغُ الكلب، ولا يشربْ باللَّيل من إناءٍ حتَّى يختبره إلا أن يكون مخمَّرًا» (2).
وحديث البخاريِّ أصحُّ من هذا. وإن صحَّ فلا تعارض بينهما؛ إذ لعلَّ الشُّرب باليد لم يكن يمكن حينئذٍ، فقال: «وإلَّا كرعنا». والشُّرب بالفم إنَّما يضرُّ إذا انكبَّ الشَّارب على وجهه وبطنه كالَّذي يشرب من النَّهر والغدير. فأمَّا إذا شرب منتصبًا بفمه من حوضٍ مرتفعٍ ونحوه، فلا فرق بين أن يشرب بيده أو بفمه.