زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، فقال: «ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوَّذْ بالله منه واتْفِل عن يسارك ثلاثًا»، قال: ففعلت فأذهبه الله عني.
فصل وفي قصة هذا الوفد من الفقه أن الرجل من أهل الحرب إذا غدر بقومه وأخذ أموالهم ثم قدم مسلمًا لم يتعرَّض له الإمام، ولا لما أخذه من المال، ولا يضمن ما أتلفه قبل مجيئه من نفس ولا مال، كما لم يتعرَّض النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخذه المغيرة من أموال الثقفيِّين، ولا ضمن ما أتلفه عليهم، وقال: «أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء».
ومنها: جواز إنزال المشرك في المسجد، ولا سيما إذا كان يرجو إسلامه وتمكينه من سماع القرآن ومشاهدة أهل الإسلام وعباداتهم (1).
ومنها: حسن سياسة الوفد وتلطُّفهم حتى تمكَّنوا من تبليغ (2) ثقيفٍ ما قدموا به، فتصوَّروا لهم بصورة المُنكِر لما يكرهونه المُوافِقِ لهم فيما يَهْوَونه، حتى ركنوا إليهم واطمأنُّوا، فلما علموا أنهم ليس لهم بد من الدخول في دعوة الإسلام أذعنوا، فأعلمهم الوفد أنهم بذلك قد جاؤوهم، ولو فاجؤوهم به من أول وهلة لما أقرُّوا به ولا أذعنوا، وهذا من حُسن (3) الدعوة وتمام التبليغ، ولا يتأتى إلا (4) مع ألبَّاء الناس وعقلائهم.