
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الليلة (1).
وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر نصف النهار في ساعةٍ لم يكن يأتيه فيها متقنِّعًا فقال له: «أَخرِج مَن عندك»، فقال: إنما هم أهلك يا رسول الله، فقال: «إن الله قد أذن لي في الخروج»، فقال أبو بكر: الصحابةَ يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم»، قال أبو بكر: فخذ بأبي وأمي إحدى راحلتيَّ هاتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بالثمن» (2).
وأمر عليًّا أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلَّعُون مِن صير الباب ويرصدونه يريدون بَيَاته ويأتمرون أيهم يكون أشقاها، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم فأخذ حفنةً من البطحاء فجعل يذرُّه على رؤوسهم وهم لا يرونه وهو يتلو: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9]، ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخةٍ في دار أبي بكر ليلًا، وجاء رجل فرأى القوم ببابه فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمَّدًا، قال: خبتم وخسرتم! قد والله مرَّ بكم وذرَّ على رؤوسكم التراب، قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وهم: أبو جهل، والحكم بن العاص، وعقبة بن أبي مُعَيط، والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسود، وطُعَيمة بن عدي،