زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
حسن. وهذا الموقوف في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي: أُحِلَّ لنا كذا وحُرِّم علينا ينصرف إلى إحلال النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحريمه.
فإن قيل: فالصحابة في هذه الوقعة (1) كانوا مضطرين، ولهذا لما هموا بأكلها قالوا: إنها ميتة، وقالوا: نحن رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن مضطرون، فأكلوا. وهذا دليل على أنهم لو كانوا مستغنين عنها لما أكلوا منها.
قيل: لا ريب أنهم كانوا مضطرين، ولكن هيَّأ الله لهم من الرزق أطيبه وأحله، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بعد أن قدموا عليه (2): «هل بقي معكم من لحمه شيء؟» قالوا: نعم، فأكل منه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إنما هو رزق ساقه الله لكم» (3)، ولو كان هذا رزق مضطر لم يأكل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حال الاختيار.
ثم لو كان أكلهم منها للضرورة فكيف ساغ لهم أن يدهنوا بودكها وينجسوا به ثيابهم وأبدانهم؟ وأيضًا: فكثير من الفقهاء لا يجوِّز الشبع من الميتة، وإنما يجوِّزون منها سدَّ الرمق، والسريةُ أكلت منها حتى ثابت إليهم أجسامهم وسمنوا وتزودوا منها.
فإن قيل: إنما يتم لكم الاستدلال بهذه القصة إذا كانت تلك الدابة قد ماتت في البحر ثم ألقاها ميتةً، ومن المعلوم أنه كما يَحتمِل ذلك يَحتمِل أن