زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وذهب مالك إلى إيقافها اتباعًا لعمر، لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر في جماعة من الصحابة مِن إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين. وروى مالك (1) عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر يقول: «لولا أن يُترك آخِرُ الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قريةً إلا قسمتُها سُهمانًا كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر سهمانًا».
وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانًا كما قال ابن إسحاق.
وأما من قال: إن خيبر كان بعضُها صلحًا وبعضُها عنوةً، فقد وهم وغلط، وإنما دخلت عليه الشبهة بالحِصنَين اللَّذَين أسلمهما أهلهما في حقن دمائهم، فلما لم يكن أهلُ ذينك الحِصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظَنَّ أن ذلك صلحٌ، ولعَمْري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية لضربٌ (2) من الصلح، ولكنهم لم يتركوا أرضَهم إلا بالحصار والقتال، فكان حكمُ أرضهما (3) حكمَ سائرِ أرضِ خيبر كلِّها عنوةً غنيمةً مقسومةً بين أهلها.
وربما شُبِّه على من قال: إن نصفَ خيبر صلحٌ ونصفَها عنوة بحديث يحيى بن سعيد عن بُشَير بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم خيبر نصفين: نصفًا له ونصفًا للمسلمين (4).