
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وجعل نقض العهد ساريًا في حق النساء والذرية، وجعل حكم الساكت والمقرِّ حكمَ الناقض المحارب. وهذا موجَب هديه - صلى الله عليه وسلم - في أهل الذمة بعد الجزية أيضًا: أن يسري نقضُ العهد في ذريتهم ونسائهم، ولكن هذا إذا كان الناقضون طائفةً لهم شوكة ومَنَعة، أما إذا كان الناقض واحدًا من طائفةٍ لم يوافقه بقيتُهم فهذا لا يسري النقض إلى زوجته وأولاده، كما أن من أهدر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دماءهم ممن كان يسبُّه لم يَسْبِ نساءهم وذريتهم. فهذا هديه في هذا وهذا (1)، وهو الذي لا محيد عنه. وبالله التوفيق.
ومنها: جواز عتق الرجل أمتَه وجعلِ عتقها صداقًا لها، ويجعلها زوجته بغير إذنها ولا شهودٍ ولا وليٍّ غيره، ولا لفظِ إنكاحٍ وتزويج، كما فعل - صلى الله عليه وسلم - (2) بصفيَّة ولم يقل قطُّ: هذا خاص بي (3)، ولا أشار إلى ذلك مع علمه باقتداء أمته به، ولم يقل أحد من الصحابة: إن هذا لا يصلح لغيره، بل رووا القصة ونقلوها إلى الأمة ولم يمنعوهم ولا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من الاقتداء به في ذلك.
والله سبحانه لما خصَّه في النكاح بالموهوبة قال: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]، فلو كانت هذه خالصةً له من دون أمته لكان هذا التخصيص أولى بالذكر لكثرة ذلك من السادات مع إمائهم، بخلاف المرأة التي تَهَب نفسها للرجل لندرته وقلته؛ أو مِثْلَه في الحاجة إلى البيان، ولا سيما والأصل مشاركة الأمة له واقتداؤها به، فكيف يسكت عن منع