
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وفي «الصحيحين» (1) عن أنس بن مالك في قصة الطائف قال: فحاصرناهم أربعين يومًا فاستعصَوا وتمنَّعُوا ... وذكر الحديث؛ فهذا الحصار وقع في ذي القَعدة بلا ريب. ومع هذا فلا دليل في القصة، لأن غزو الطائف كان من تمام غزوة هوازن، وهم بدؤوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بالقتال، ولما انهزموا دخل ملِكهم وهو مالك بن عوف النَّصري مع ثقيفٍ في حصن الطائف محاربين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان غزوُهم من تمام الغزوة التي شرع فيها، والله أعلم.
وقد قال تعالى في سورة المائدة ــ وهي من آخر القرآن نزولًا وليس فيها منسوخ ــ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} [المائدة: 2].
وقال في سورة البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217].
فهاتان آيتان مدنيتان بينهما في النزول نحو ثمانية أعوام، وليس في كتاب الله ولا سنَّة رسوله ناسخ لحكمهما، ولا أجمعت الأمة على نسخه. ومن استدل على نسخه بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] ونحوها من العمومات، فقد استدل على النسخ بما لا يدل عليه. ومن استدل عليه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عامر في سريةٍ إلى أوطاس في ذي القعدة (2)، فقد استدل بغير دليل لأن ذلك كان من تمام الغزوة التي بدأ فيها المشركون بالقتال، ولم يكن ابتداءً منه لقتالهم في الشهر الحرام.