
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قوموا فانحروا ثم احلقوا»، قال: فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، أتحب ذلك؟ اخرجْ ثم لا تكلِّمْ أحدًا (1) كلمةً حتى تنحر بُدنك وتدعوَ حالقك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك: نحر بُدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا.
ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} حتى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاويةُ والأخرى صفوان بن أمية.
ثم رجع إلى المدينة وفي مرجعه أنزل الله عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 1 - 3]، فقال عمر: أوَفتحٌ هو يا رسول الله؟ قال: «نعم» (2). فقال الصحابة: هنيئًا لك يا رسول الله فما لنا؟ فأنزل الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية [الفتح: 4] (3).