زاد المعاد في هدي خير العباد ج3

زاد المعاد في هدي خير العباد ج3

17197 5

زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]

تحقيق: نبيل بن نصار السندي

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 881

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

أجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

ثم كرر عليهم سبحانه أن هذا الذي أصابهم إنما أُتُوا فيه من قِبَل أنفسهم وبسبب أعمالهم، فقال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وذكر هذا بعينه فيما هو أعم من ذلك في السور المكية فقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وقال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]، فالحسنة والسيئة هاهنا: النعمة والمصيبة، فالنعمة مَنٌّ مِن الله منَّ بها عليك، والمصيبة إنما نشأت من قِبَل نفسك وعملك، فالأول فضله والثاني عدله، والعبدُ يتقلَّب بين فضله وعدله؛ جارٍ عليه فضلُه، ماضٍ فيه حكمُه، عدلٌ فيه قضاؤه.
وختم الآية الأولى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بعد قوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} إعلامًا لهم بعموم قدرته مع عدلِه وأنه عادل قادر، وفي ذلك إثبات القَدَر (1) والسبب، فذكر السبب وأضافه إلى نفوسهم، وذكر عموم القُدرة وأضافها إلى نفسه، فالأول ينفي الجبر، والثاني ينفي القول بإبطال القَدَر، فهو يشاكل قوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28].
وفي ذكر قدرته هاهنا نكتة لطيفة، وهي أن هذا الأمر بيده وتحت قدرته، وأنه هو الذي لو شاء لصرفه عنكم، فلا تَطلُبوا كشفَ أمثاله من غيره ولا تتكلوا على سواه، وكشف هذا المعنى وأوضحه كلَّ الإيضاح بقوله: {وَمَا

الصفحة

278/ 881

مرحباً بك !
مرحبا بك !