زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الدم عنه ويقول: «كيف يفلح قوم شجُّوا نبيَّهم وكسروا رَباعيته وهو يدعوهم؟!» فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128].
ولما انهزم الناس لم ينهزم أنس بن النضر وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ــ يعني: المسلمين ــ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ــ يعني: المشركين ــ، ثم تقدَّم فلقيه سعد بن معاذ فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واهًا لريح الجنة يا سعد! إني أجده دون أُحُدٍ، ثم مضى فقاتل القوم حتى قُتِل، فما عُرِف حتى عرفتْه أختُه ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنةٍ برمح وضربةٍ بسيف ورميةٍ بسهم (1).
وانهزم المشركون أول النهار كما تقدم، فصرخ فيهم إبليس: أي عباد الله أُخراكم! فرجعوا (2) من الهزيمة فاجتلَدوا، ونظر حذيفة إلى أبيه والمسلمون يريدون قتلَه وهم يظنونه من المشركين فقال: أي عباد الله، أبي! فلم يفهموا قولَه حتى قتلوه، فقال: يغفر الله لكم، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يَدِيَه، فقال: قد تصدقتُ بدمه على المسلمين، فزاد ذلك حذيفة خيرًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - (3).