
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل في غزوة أحد ولما قتل اللهُ أشراف قريشٍ ببدر، وأصيبوا بمصيبة لم يصابوا بمثلها، ورَأَسَ فيهم أبو سفيان بن حرب لذهاب أكابرهم، وجاء كما ذكرنا إلى أطراف المدينة في غزوة السويق ولم يَنَلْ ما في نفسه أخذ يُؤَلِّب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين ويجمع الجموع، فجمع قريبًا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش، وجاءوا بنسائهم لئلَّا يفرُّوا وليحاموا عنهن، ثم أقبل بهم نحو المدينة فنزل قريبًا من جبل أحد بمكان يقال له «عَيْنَين»، وذلك في شوال من السنة الثالثة.
واستشار رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه: أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة؟ وكان رأيه أن لا يخرجوا من المدينة وأن يتحصَّنوا بها، فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة والنساءُ من فوق البيوت، ووافقه على هذا الرأي عبدُ الله بن أُبَي، وكان هو الرأي.
فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يومَ بدرٍ وأشاروا عليه بالخروج وألحُّوا عليه في ذلك، وأشار عبد الله بن أُبَي بالمُقام في المدينة، وتابعه على ذلك بعضُ الصحابة، فألحَّ أولئك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهض ودخل بيته ولبس لَأْمَتَه وخرج عليهم، وقد انثنى عزمُ أولئك وقالوا: أَكْرَهنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على الخروج، فقالوا: يا رسول الله، إن أحببتَ أن تمكث في المدينة فَافْعل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما ينبغي لنبيٍّ إذا لبس لَأْمته أن يضعَها حتى يحكم الله بينه وبين عدوِّه» (1).