
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وذكَّرهم بما لهم في الصبر والثبات من النَّصْر والظَفَرِ العاجل وثوابِ الله الآجل، وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد في سبيله، فقام عُمَير بن الحُمام فقال: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: «نعم»، قال: بخٍ بخٍ يا رسول الله، قال: «ما يحملك على قولِك: بخ بخ؟» قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءَ أن أكون مِن أهلها، قال: «فإنك من أهلها»، قال: فأخرج تمراتٍ من قَرَنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حَيِيتُ حتى آكلَ تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قُتِل (1)؛ فكان أولَ قتيلٍ.
وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملء كفه من الحصباء فرمى بها وجوهَ العدو، فلم تترك رجلًا منهم إلا ملأت عينَيه، وشُغِلوا بالتراب في أعينهم وشُغِل المسلمون بقتلهم وأنزل الله عز وجل في شأن هذه الرَّمْية على رسوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] (2).
وقد ظن طائفة أن الآية دلَّت على نفي الفعلِ عن العبد وإثباتِه لله، وأنه هو الفاعل حقيقةً. وهذا غلط منهم من وجوه عديدة مذكورة في غير هذا الموضع (3). ومعنى الآية: أن الله سبحانه أثبت لرسوله ابتداءَ الرمي، ونفى عنه الإيصالَ الذي لم يحصل برَمْيته، فالرمي يُراد به الحَذْفُ والإيصال، فأثبت لنبيه الحذفَ ونفى عنه الإيصال.