زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 881
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فإن قيل: كيف يختار العقل (1) هذا؟ قيل: الحامل له على هذا النَّقْدُ والنسيئة، والنفسُ مُوكَّلة (2) بالعاجل؛ {كَلَّا بَلْ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَيَذَرُونَ الْآخِرَةَ} (3) [القيامة: 20 - 21]، {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان: 27]. وهذا يحصل لكل أحد، فإن الإنسان مدنيٌّ بالطبع لا بد له أن يعيش مع الناس (4)، والناس لهم إرادات وتصوُّرات، فيطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب، تارةً منهم وتارةً من غيرهم، كمن عنده دِين وتُقًى حلَّ بين قوم فُجَّار ظَلَمة ولا يتمكنون من فجورهم وظُلْمهم إلا بموافقته لهم أو سكوته عنهم، فإن وافقهم أو سكت عنهم سَلِم من شرِّهم في الابتداء، ثم يتسلَّطون عليه بالإهانة والأذى أضعافَ ما كان يخافه ابتداءً لو أنكر عليهم وخالفهم، وإن سلم منهم فلا بُدَّ أن يُهان ويُعاقَب على يد غيرهم، فالحزمُ كلُّ الحزم في الأخذ بما قالت أم المؤمنين لمعاوية: من أرضى اللهَ بسخط الناس كفاه الله