
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 550
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وإشكالٌ آخر، وهو ما ثبت في «الصَّحيحين» (1) أنَّ الأشعث بن قيسٍ دخل على عبد الله بن مسعودٍ وهو يتغدَّى، فقال: أبا محمد، ادنُ إلى الغداء. قال: أوليس اليوم يوم عاشوراء؟ قال: وهل تدري ما يوم عاشوراء؟ قال: وما هو؟ قال: إنَّما هو يومٌ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان، فلمَّا نزل رمضان تركه.
وقد روى مسلم في «صحيحه» (2) عن ابن عبَّاسٍ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صام يوم عاشوراء أو أمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنَّه يومٌ تعظِّمه اليهود والنَّصارى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان العامُ المقبلُ إن شاء الله صمنا اليوم التَّاسع». فلم يأتِ العام المقبل حتَّى توفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فهذا فيه أنَّ صومه والأمر بصيامه قبل وفاته بعامٍ، وحديثه المتقدِّم فيه أنَّ ذلك كان عند مقدمه المدينة. ثمَّ ابن مسعودٍ أخبر أنَّ يوم عاشوراء تُرِك برمضان، وهذا يخالفه حديث ابن عبَّاسٍ المذكور، ولا يمكن أن يقال: تُرِك فرضه، لأنَّه لم يفرض، لما قد ثبت في «الصَّحيحين» (3) عن معاوية بن أبي سفيان سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائمٌ، فمن شاء فليصم (4)، ومن شاء فليُفطِر». ومعاوية إنَّما سمع هذا بعد الفتح قطعًا.