
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 550
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
كلُّه (1)، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يَصرِف السَّيِّئاتِ إلا هو، الذي إذا فتح لعبده رحمةً لم يستطع أحدٌ حَبْسَها عنه، وإذا أمسكها لم يستطع أحدٌ إرسالَها إليه عن التَّطيُّر والتَّنجيم واختيار (2) الطَّالع ونحوه. فهذا الدُّعاء هو الطَّالع الميمون السَّعيد، طالع أهل السَّعادة والتَّوفيق، الذين سبقَتْ لهم من الله الحسنى، لا طالع أهل (3) الشِّرك والشَّقاء والخذلان، الذين يجعلون مع الله إلهًا آخر، فسوف يعلمون.
فتضمَّن هذا الدُّعاء (4) الإقرارَ بوجوده سبحانه، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرار بربوبيَّته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتَّوكُّل عليه، والخروج من عهدة نفسه، والتَّبرِّي من الحول والقوَّة إلا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها وإرادته لها، وأنَّ ذلك كلَّه بيد وليِّه وفاطره وإلهه الحقِّ.
وفي «مسند الإمام أحمد» (5) من حديث سعد بن أبي وقَّاصٍ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «إنَّ من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى اللَّه، وإن من شقاوة ابن آدم ترْكَ استخارة اللَّه، وسَخَطَه بما قضى اللَّه».
فتأمَّلْ كيف وقع المقدور مكتنفًا بأمرين: التَّوكُّل الذي هو مضمون