زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 550
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
يرحمك اللَّه، وليردَّ ــ يعني عليهم ــ: يغفر الله لنا ولكم».
وفي السَّلام على أمِّ هذا المسلِّم نكتةٌ لطيفةٌ، وهي إشعاره بأنَّ سلامه قد وقع في غير موقعه اللَّائق به، كما وقع هذا السَّلام على أمِّه، فكما أنَّ هذا سلامٌ في غير موضعه فهكذا سلامه هو.
ونكتةٌ أخرى ألطفُ منها، وهي تذكيره بأمِّه ونَسَبُه له إليها، وكأنَّه أمِّيٌّ محضٌ، منسوبٌ إلى الأمِّ، باقٍ على تربيتها، لم تُرَبِّه الرِّجال، وهذا أحد الأقوال في «الأمِّيِّ»، أنَّه الباقي على نسبته إلى أمِّه.
وأمَّا النبيُّ الأمِّيُّ، فهو الذي لا يُحسن الكتابة ولا يقرأ الكتاب.
وأمَّا الأمِّيُّ الذي لا تصحُّ الصَّلاة خلفه، فهو الذي لا يصحِّح الفاتحة، ولو كان عالمًا بعلومٍ كثيرةٍ.
ونظير ذكر الأمِّ هاهنا ذِكْرُ هَنِ الأب لمن تعزَّى بعزاء الجاهليَّة (1)، فيقال له: اعْضَضْ هَنَ أبيك، وكان ذِكرُ الأب هاهنا أحسنَ تذكيرًا لهذا المتكبِّر بدعوى الجاهليَّة بالعضو الذي خرج منه، وهو هَنُ أبيه، فلا ينبغي له أن يتعدَّى طوره، كما أنَّ ذِكْر الأمِّ هاهنا أحسنُ تذكيرًا له بأنَّه باقٍ على أمِّيَّته. والله أعلم بمراد رسوله.
ولمَّا كان العاطس قد حصلَ له بالعطاس نعمةٌ ومنفعةٌ بخروج الأبخرة المُحْتقِنة (2) في دماغه الَّتي لو بقيتْ فيه أحدثتْ فيه أدواءً عسرةً، شُرِعَ له