زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 550
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صبيانهما ضيفَهما: «لقد عجِبَ الله من صنيعكما بضيفكما اللَّيلَة» (1).
وكان لا يأنف من مؤاكلة أحدٍ صغيرًا كان أو كبيرًا، حرًّا أو عبدًا، أعرابيًّا أو مهاجرًا، حتَّى لقد روى أصحاب السُّنن (2) عنه أنَّه أخذ بيدِ مجذومٍ، فوضعها معه في القَصْعة وقال: «كُلْ بسم الله، ثقةً باللَّه، وتوكُّلًا عليه».
وكان يأمر بالأكل باليمين وينهى عن الأكل بالشِّمال، ويقول: «إنَّ الشَّيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله» (3). ومقتضى هذا تحريمُ الأكل بها، وهو الصَّحيح، فإنَّ الآكل بها إمَّا شيطانٌ وإمَّا مشبَّهٌ بالشيطان. وصحَّ عنه أنَّه قال لرجلٍ أكلَ عنده بشماله: «كلْ بيمينك»، فقال: لا أستطيع، فقال: «لا استطعتَ»، فما رفع يده إلى فيه بعدها (4). فلو كان ذلك جائزًا لما دعا عليه بفعله، وإن كان كِبْره (5) قد حمَلَه على ترك امتثال الأمر فذلك أبلغ في العصيان واستحقاقِ الدُّعاء عليه.
وأمر من شَكَا إليه أنَّهم لا يَشْبَعون أن يجتمعوا على طعامهم ولا يتفرَّقوا، وأن يذكروا اسم الله عليه، يُباركْ لهم فيه (6).