
زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 550
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الحديثين، فإنَّه لم يَنْهَ عن إطلاق اسم العَتَمة بالكلِّيَّة، وإنَّما نهى عن أن يُهْجَر اسم العِشاء، وهو الاسم الذي سمَّاها (1) الله به (2) في كتابه، ويغلب عليه اسم العتمة، فإذا سُمِّيت العشاء وأُطلِق عليها أحيانًا العَتَمة فلا بأس، والله أعلم.
وهذا محافظةً منه - صلى الله عليه وسلم - على الأسماء الَّتي سمَّى الله بها العبادات، فلا تُهْجَر ويُؤثَرُ عليها غيرُها، كما فعله المتأخِّرون في هجران ألفاظ النُّصوص، وإيثارِ المصطلحات الحادثة عليها، ونشأ بسبب هذا من الفساد ما الله به عليمٌ. وهذا كما كان يحافظ على تقديم ما قدَّمه اللَّه، وتأخيرِ ما أخَّره، كما بدأ بالصَّفا وقال: «أبدأُ (3) بما بدأَ الله به» (4)، وبدأ في العيد بالصَّلاة ثمَّ نحرَ بعدها، وأخبر أنَّ من ذَبحَ قبلَها فلا نُسكَ له (5)، تقديمًا لما بدأ الله به (6) من قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وبدأ في أعضاء الوضوء بالوجه ثمَّ اليدين ثمَّ الرَّأس ثمَّ الرِّجلين، تقديمًا لما قدَّمه اللَّه، وتأخيرًا لما أخَّره، وتوسيطًا لما وسَّطه، وقدَّم زكاة الفطر على صلاة العيد تقديمًا لما قدَّمه الله (7) في قوله: {(13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} [الأعلى: 14]، ونظائره كثيرةٌ.