زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 550
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فهذا مَثَل انشراحِ صدر المؤمن (1) المتصدِّق وانفساحِ قلبه، ومَثَلُ ضيقِ صدر البخيل وانحصارِ قلبه.
ومنها: الشَّجاعة، فإن الشُّجاع منشرحُ الصدر واسعُ البِطان متَّسعُ القلب، والجبان أضيقُ الناس صدرًا وأحصرُهم قلبًا، لا فرحةَ له ولا سرور، ولا لذةَ ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيم (2)، وأما سرور الروح ولذتها ونعيمها وابتهاجُها فمحرَّمٌ على كلِّ جَبان، كما هو محرَّمٌ على كلِّ بخيل، وعلى كل مُعرِضٍ عن الله غافلٍ عن ذكرِه، جاهلٍ به وبأسمائه تعالى وصفاتِه ودينهِ، متعلِّقِ القلب بغيره.
وإن هذا النعيم والسرور ليصير في القبر (3) رياضًا (4) وجَنَّةً، وذلك الضيق والحَصَر ينقلب في القبر عذابًا وسجنًا. فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيمًا وعذابًا، وسَجْنًا وإطلاقًا (5)، ولا عبرةَ بانشراح صدر (6) هذا لعارضٍ (7) ولا بضيق صدرِ هذا لعارضٍ، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها، وإنما المُعوَّل على الصفة التي قامت بالقلب تُوجِب انشراحَه وحَبْسَه، فهي الميزان، والله المستعان.