زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (30)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثالثة، 1440 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 550
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، وإنَّما اختار التَّمتُّع لكونه آخرَ الأمرينِ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي أمر به أصحابه أن يفسخوا حجَّهم إليه وتأسَّف على فوته.
ولكن نقل عنه المروذي (1) أنَّه إذا ساق الهدي فالقران أفضل. فمن أصحابه من جعل هذا روايةً ثانيةً، ومنهم من جعل المسألة روايةً واحدةً، وأنَّه إن ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يَسُقْ فالتَّمتُّع أفضل. وهذه طريقة شيخنا (2)، وهي الَّتي تليق بأصول أحمد، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يتمنَّ أنَّه كان (3) جعلها عمرةً مع سَوقه الهديَ، بل ودَّ أنَّه كان جعلها عمرةً ولم يسق الهدي.
يبقى أن يقال: فأيُّ الأمرين أفضل: أن يسوق ويقرِن، أو يترك السَّوق ويتمتَّع كما ودَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه فعله؟ قيل: قد تعارض في هذه المسألة أمران: أحدهما: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قرن وساق الهدي، ولم يكن الله ليختار له إلا أفضلَ الأمور (4)، ولا سيَّما وقد جاءه الوحي به من ربِّه تعالى، وخير الهدي هديه - صلى الله عليه وسلم -.
والثَّاني قوله: «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لما سقتُ الهدي ولجعلتُها عمرةً». فهذا يقتضي أنَّه لو كان هذا الوقت الذي تكلَّم فيه هو وقت